العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. بين رهابي وإحساسي الكثيف بالظلم..!!

يمنات

أحمد سيف حاشد

في أحدى لقاءاتي مع الناخبين أثناء الحملة الانتخابية حالما ترشحت لعضوية مجلس النواب في العام 2003 كنت أتحدث إليهم، فتوقفتُ فجأة عن الكلام لأكثر من خمس ثوان، و ساد صمت ثقيل .. شعرت بالعجم بعد أن طارت الفكرة، و هربت مني المفردة، و امتنعت الذاكرة في اللحظة من اسعافي بالكلام .. شعرت بعور أصابني .. أحسست بإعاقة نفسية تستوطنني .. خلل كبير في جهازي العصبي لا يُدارى و لا يُوارى .. عطب في اللسان و الذاكرة .. شعور بالنقص يداهمني، و إحساس سؤال فيه غضب و غصة: كيف لخالق لم يتم خلقه و هو الكمال كله..؟! فأجاب المجيب “لله في خلقه شؤون”.

كنت أحدث نفسي: كيف يمكن أن أتحدث في قاعة مهابة، أمام ثلاثمائة نائب و أربع كاميرات تحيطني من كل جانب و تنقل تفاصيلي من أربع زوايا، ربما لملايين البشر..؟!! كيف لي أن اقتحم كل هذا و أنا الخجول الذي قمعت حبي طويلا بسبب خجلي الكبير، و فشلت في البوح أو الكلام ثلاث سنين مع الفتاة التي أحببتها بصمت مهول، و كتمان شديد، دون أن تدري أو تعلم هي أنني في حبها أشتعل و أحتضر..!!

و في مستهل عهدي في البرلمان و بسبب خجلي و رهابي كنت أسأل نفسي: هل سأكون مثل “نيوتن” البرلماني الصامت الذي قيل عنه أنه لم يقل شيئا خلال سنوات دورته النيابية غير مطالبته في إحدى المرّات بإغلاق النافذة التي يتسرب منها الهواء البارد..!! أم سأكون مثل ذلك الفلكي الذي دعاه الملك لحضور الاحتفال في قصره، فحبس بوله حرجا و خجلا من أن يسأل عن المرحاض .. فولج درب الخلود ليس بسبب اكتشافاته الفلكية، و إنما بسبب هذه القصة المضحكة حد الموت..

كنت أجد نفسي في بعض الأحيان أتحدث فأفقد تراتبية الحديث و تسلسل الأفكار .. تضيع مني الأولوية بين الأهم و المهم و ما دونهما .. انتقل في الحديث من فقرة في اتجاه معين قبل أن أكملها، إلى فقرة أخرى، و ربما إلى فكرة ثانية دون أن أستكمل الأولى .. أفقد كثير من التركيز، و أبدوا مشوشا و مضطربا، و ربما يرتعش بعض أجزاء جسمي، و يتهدج صوتي، و تتصاعد أنفاسي حد صعود الروح..

كنتُ أتعرض لانتهاكات عديدة و ربما شبه متواصلة، و لا أحسن تقديمها كما يجب في قاعة مجلس النواب .. كان الظلم الذي يطالني أو أجده على كاهلي أثقل و أكبر منّي .. أستشعر مليا أن ليس لي حظا في الخطابة و غير مفوه في الحديث و الكلام و إيصال ما أعانيه على النحو الذي أروم .. كنت أشعر أن الصدق فيما أقول عميق، و لكنه يحتاج إلى من يوصله كما يجب .. كان النواب نبيل باشا و صخر الوجيه و عيدروس النقيب يحسنون التعبير فيما يصيبني أكثر منّي..

عشتُ صدمات متعاقبة، و تكشف لي أن الواقع أكثر سوء مما كنت أظن، و أن مجلس النواب ليس على ذلك النحو الذي كان في مخيلتي قبل أن أصل إليه، و أن جل الأعضاء منقادين على نحو لم أكن أتصوره، و أن الظلم قد بلغ مني مبلغه بعد مقتل أخ زوجتي عادل صالح يحيى الذي كان يعمل معي سائقا و مرافقا، و أن ما أعيشه و يعيشه الناس من ظلم و مظالم يستحق قدرا من الجُرأة و الجنون..

تولّد لديّ إحساس كثيف بالظلم ما دفعني إلى الاحتجاج الصاخب و غير المبالي بإعاقتي .. تأجج و ثار داخلي احتجاجي في مواجهة الرهبة الكبيرة و الخجل المجحفل و المخاوف غير المبررة .. وجدت نفسي في هذه المواجهة عنيدا في مواجهة هذا الظلم، و مستعدا لفعل كل ممكن لمواجهته و ابلاغ الناس به..

عشت هذا الاحتدام و المواجهة بين اكتظاظ مشاعر الظلم الكثيف من جهة، و طغيان رهابي و خجلي من جهة أخرى و على نحو أبدو فيها باضطراب يشبه الإعصار أو هوج العاصفة .. توتر ملفت و ربما شديدا في بعض الأحيان .. أفقد زمام السيطرة على أعصابي على نحو ملحوظ، و ربما سافر و صارخ في بعض الأحايين .. تكتظ الأفكار في رأسي .. تتضارب و تعتصف .. تدمدم و تحتدم كنوبة من جنون يتكرر و يرفض الإذعان و الاستكانة للظلم بأي وجه كان..

لقد تخليت كثيرا عن خجلي و إن كان أحيانا يقوى و يشتد في مواجهتي، و لكنه أقل من أن يؤثر في حياتي كما كان .. أما رهابي فأنحسر إلى هذا الحد أو ذاك، و إن عاودني و أشتد بعد انقطاع، أحاول أن أتجاوزه في المناسبة نفسها أو في مناسبة أخرى أكثر أهمية، حتى و إن بقي له في النفس أثر..

كما أن مواجهاتي ضد الفساد و الظلم و انحيازي لحقوق و مصالح البسطاء من الناس تجعل مواقفي أكثر أهمية من عداها .. و ما أعجز و أفشل عن قوله أنجح كثيرا في كتابته، و على نحو يصل إلى الناس كما يجب، أو هذا ما أظن و أعتقد..

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى